الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقول الكميت: الطويل: وقرأ أبو السمال: {حم} بفتح الحاء وكسر الميم الآخرة، وذلك لالتقاء الساكنين.و: {حم} آية: و: {تنزيل} رفع بالابتداء، والخبر في قوله: {من الله} وعلى القول بأن {حم} إشارة إلى حروف المعجم يكون قوله: {حم} خبر ابتداء: و: {الكتاب} القرآن.وقوله: {غافر} بدل من المكتوبة، وإن أردت ب {غافر} المضي، أي غفرانه في الدنيا وقضاؤه بالغفران وستره على المذنبين، فيجوز أن يكون {غافر} صفة، لأن إضافته إلى المعرفة تكون محضة، وهذا مترجح جدًّا، وإذا أردت ب {غافر} الاستقبال أو غفرانه يوم القيامة فالإضافة غير محضة، و: {غافر} نكرة فلا يكون نعتًا، لأن المعرفة لا تنعت بالنكرة، وفي هذا نظر. وقال الزجاج: {غافر} {وقابل} صفتان. و: {شديد العقاب} بدل، و: {الذنب} اسم الجنس. وأما {التوب} فيحتمل أن يكون مصدرًا كالعوم والنوم فيكون اسم جنس، ويحتمل أن يكون جمع توبة كتمرة وتمر، وساعة وساع. وقبول التوبة من الكافر مقطوع لإخبار الله تعالى، وقبول التوبة من العاصي في وجوبها قولان لأهل السنة، وحكى الطبري عن أبي بكر بن عياش أن رجلًا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: إني قتلت، فهل لي من توبة؟ فقال نعم، اعمل ولا تيأس، ثم قرأ هذه الآيات إلى {قابل التوب}.و{شديد العقاب} صفة، وقيل بدل. ثم عقب هذا الوعيد بوعد ثان في قوله: {ذي الطول} أي ذي التطول والمن بكل نعمة فلا خير إلا منه، فترتب في الآية بين وعدين، وهكذا رحمة الله تغلب غضبه.قال القاضي أبو محمد: سمعت هذه النزعة من أبي رضي الله عنه، وهي نحو من قول عمر رضي الله عنه: لن يغلب عسر يسريين يريد في قوله تعالى: {فإن مع العسر يسرًا إن مع العسر يسرًا} [الشرح: 5- 6].و: {الطول} الإنعام، ومنه: حليت بطائل. وحكى الثعلبي عن أهل الإشارة أنه تعالى: {غافر الذنب} فضلًا، {وقابل التوب} وعدًا، و{شديد العقاب} عدلًا. وقال ابن عباس: {الطول} السعة والغنى، ثم صدع بالتوحيد في قوله: {لا إله إلا هو}. وبالبعث والحشر في قوله: {إليه المصير}.وقوله: {ما يجادل في آيات الله} يريد جدالًا باطلًا، لأن الجدال فيها يقع من المؤمنين لكن في إثباتها وشرحها.وقوله: {فلا يغررك} أنزله منزلة: فلا يحزنك ولا يهمنك، لتدل الآية على أنهم ينبغي أن لا يغتروا بإملاء الله تعالى لهم، فالخطاب له والإشارة إلى من يقع منه الاغترار، ويحتمل أن يكون {يغررك} بمعنى تظن أن وراء تقلبهم وإمهالهم خيرًا لهم فتقول عسى أن لا يعذبوا وحل الفعل من الإدغام لسكون الحرف الثاني، وحيث هما متحركان لا يجوز الحل، لا تقول زيد يغررك. و: {تقلبهم في البلاد} عبارة عن تمتعهم بالمساكين والمزارع والأسفار وغير ذلك. ثم مثل لهم بمن تقدمهم من الأمم، أي كما حل بأولئك كذلك ينزل بهؤلاء.{الأحزاب} يريد بهم عادًا وثمود أو أهل مدين وغيرهم، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: {برسولها} ردًا على الأمة، وضمير الجماعة هو على معنى الأمة لا على لفظها.وقوله: {ليأخذوه} معناه ليهلكوه كما قال تعالى: {فأخذتهم} والعرب تقول للقتيل: أخيذ، وللأسير كذلك، ومنه قولهم: أكذب من الأخيذ الصبحان. وقال قتادة: {ليأخذوه} معناه: ليقتلوه. و{ليدحضوا} معناه: ليزلقوا وليذهبوا، والمدحضة المزلة والمزلقة.وقوله: {فكيف كان عقاب} تعجيب وتعظيم، وليس باستفهام عن كيفية وقوع الأمر.{وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)} وفي مصحف عبد الله بن مسعود: {كذلك سبقت كلمة} والمعنى: كما أخذت أولئك المذكورين فأهلكتهم فكذلك حقت كلماتي على جميع الكفار من تقدم منهم ومن تأخر أنهم أهل النار وسكانها.وقرأ نافع وابن عامر: {كلمات} على الجمع، وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر وابن نصاح وقرأ الباقون: {كلمة} على الإفراد وهي للجنس، وهي قراءة أبي رجاء وقتادة، وهذه كلها عبارة عن ختم القضاء عليهم.وقوله: {أنهم} بدل من {كلمة}.ثم أخبر تعالى بخبر يتضمن تشريف المؤمنين ويعظم الرجاء لهم، وهو أن الملائكة الحاملين للعرش والذين حول العرش، وهؤلاء أفضل الملائكة يستغفرون للمؤمنين ويسألون الله لهم الرحمة والجنة، وهذا معنى قوله تعالى في غير هذه الآية: {كان على ربك وعدًا مسوؤلًا} [الفرقان: 16] أي سألته الملائكة، وفسر في هذه الآية المجمل الذي في قوله تعالى في غير هذه الآية {ويستغفرون لمن في الأرض} [الشورى: 5] لأنه معلوم أن الملائكة لاتستغفر لكافر، وقد يجو أن يقال معنى ذلك أنهم يستغفرون للكفار، بمعنى طلب هدايتهم والمغفرة لهم بعد ذلك، وعلى هذا النحو هو استغفار إبراهيم لأبيه واستغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم للمنافقين. وبلغني أن رجلًا قال لبعض الصالحين ادع لي واستغفر لي، فقال له: تب واتبع سبيل الله يستغفر لك من هوخير مني، وتلا هذه الآية. وقال مطرف بن الشخير: وجدنا أنصح العباد للعباد الملائكة، وأغش العباد للعباد الشياطين، وتلا هذه الآية. وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة سنة» وقرأت فرقة: {العُرش} بضم العين، والجمهور على فتحها.وقوله تعالى: {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا} نصب الرحمة على التمييز وفيه حذف تقديره: يقولون، ومعناه: وسعت رحمتك وعلمك كل شيء، وهذا نحو قولهم: تفقأت شحمًا وتصببت عرقًا وطبت نفسًا. وسبيل الله المتبعة: هي الشرائع.وقرأ جمهور الناس: {جنات عدن} على جمع الجنات. وقرأ الأعمش في رواية المفضل: {جنة عدن} على الإفراد، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود. والعدن: الإقامة.وقوله: {ومن يصلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} روي عن سعيد بن جبير في تفسير ذلك: أن الرجل يدخل الجنة قبل قرابته فيقول: أي أبي؟ أين أمي؟ أين زوجتي؟ فيلحقون به لصلاحهم ولتنبيهه عليهم وطلبه إياهم، وهذه دعوة الملائكة: وقرأ عيسى بن عمر: {وذريتهم} بالإفراد.وقوله: {وقهم} أصله أوقهم، حذفت الواو اتباعًا لحذفها في المستقبل، واستغني عن ألف الوصل لتحرك القاف، ومعناه: اجعل لهم وقاية تقيهم {السيئات} واللفظ يحتمل أن يكون الدعاء في دفع العذاب اللاحق من {السيئات} فيكون في اللفظ على هذا حذف مضاف، كأنه قال: وقهم جزاء السيئات. اهـ.
|